بناء الشخصية

العدوى العاطفية: توضيح انتقال المشاعر إلينا دون أن نشعر

العدوى العاطفية


هل لاحظت أنك عندما تشاهد فيلم درامي أو كوميدي تتأثر بمشاعر البطل وتشعر بحالته، او عندما تجالس غاضبون تشعر أن مشاعر الغضب بدأت تتسرب إنها العدوى العاطفية.
إن هذا التفاعل العاطفي المفاجئ ليس محض صدفة بل هو ظاهرة نفسية واجتماعية، تنعكس بوضوح في سلوكياتنا اليومية وتمسّ جميع علاقاتنا، بدءًا من الأسرة والأصدقاء، وصولًا إلى زملاء العمل والمجتمع الأوسع في هذا المقال نستعرض مفهومها، بتوسّع ونفكك آليات انتقالها، وتأثيرها العميق على الأفراد والمجتمعات وكيف يمكننا التعامل معها بوعي ومسؤولية.

العدوى العاطفية توضيح انتقال المشاعر إلينا دون أن نشعر
العدوى العاطفية

مفهوم العدوى العاطفية

هي ظاهرة اجتماعية تشير إلى انتقال المشاعر من شخص إلى آخر، بحيث يتبنى الفرد مشاعر غيره دون وعي منه، كما يمكن أن تحدث في ثوانٍ معدودة، وغالبًا دون كلمات وذلك من خلال تعابير الوجه ونبرة الصوت، وحركات الجسد.
لا تقتصر هذه الظاهرة على المشاعر الإيجابية كالسعادة، بل تشمل أيضًا المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن  و الخوف والقلق، وهذا ما يجعل فهمها ضرورة لفهم التفاعل البشري، وتفسير سلوكيات الأفراد، في مختلف السياقات.

توضيح طرق انتقال العدوى العاطفية

علماء النفس والاجتماع يفسرونها، على أنها جزء من النظام العصبي الاجتماعي لدى الإنسان،  فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يتأثر بالبيئة المحيطة به، كما يوجد عدة آليات رئيسية تساعد في انتقال المشاعر مثل:

إقرأ أيضا:اكتشف ذاتك مع كتاب بناء الشخصية وحقق النجاح الذي تطمح له
  • 1_المرآة العصبية: حيث تعد الخلايا العصبية المرآتية في الدماغ من أبرز العوامل المسؤولة عن العدوى العاطفية، فعندما نرى شخصًا يتألم تنشط نفس المناطق العصبية في أدمغتنا، وكأننا نحن من نشعر بالألم، إن هذه الظاهرة البيولوجية تفسر كيف نتعاطف ونتجاوب عاطفيًا بشكل تلقائي.
  • 2_المحاكاة اللاواعية: حيث نميل نحن تلقائيًا إلى تقليد تعابير وجوه من حولنا، ونبرة صوتهم وحتى وضعيات أجسامهم وهذه المحاكاة اللاواعية تسهم في نقل المشاعر، فحين تبتسم لشخص غالبًا ما يردّ عليك بابتسامة، ويشعر بالسعادة، نتيجة لذلك.
  • 3_ الروابط الاجتماعية القوية: حيث كلما زادت العلاقة بين الأشخاص عمقًا، زادت احتمالية انتقال المشاعر بينهم مثل العائلة و الأصدقاء وزملاء العمل، هم البيئة المثالية لتفشي العدوى العاطفية، سواء كانت إيجابية أم سلبية.

 أنواع العدوى العاطفية

  1. العدوى العاطفية الإيجابية: وهي تشمل المشاعر، مثل الفرح والتفاؤل والحماس والحب، وهي غالبًا ما تكون محفزة وتُحسّن من جودة الحياة، وتعزز العلاقات الاجتماعية في بيئة العمل مثلًا: يمكن لقائد إيجابي ومتفائل أن يحدث فرقًا كبيرًا في مستوى الحماس؛ والإنتاجية، لدى الفريق.
  2. العدوى العاطفية السلبية: وتشمل مشاعر الغضب والإحباط والقلق والخوف، وهي أكثر خطورة من العدوى الإيجابية لأنها يمكن أن تخلق بيئة متوترة، وتؤثر على الصحة النفسية والجسدية للأفراد، مثلاً: شخص سلبي في محيط العمل قد يسبب توترًا عامًا وينقل مشاعر الإحباط، إلى زملائه دون قصد.

تأثير العدوى العاطفية على الأفراد والمجتمعات

العدوى العاطفية لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل المجتمعات بأكملها، حيث في الأزمات والكوارث يمكن أن تنتشر مشاعر الخوف أو الذعر بسرعة كبيرة، من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى ردود فعل جماعية؛ غير عقلانية.
في المقابل، يمكن أن تكون العدوى العاطفية الإيجابية أداة قوية، في حملات التضامن والعمل الإنساني، حيث تنتقل مشاعر التعاطف والرغبة في المساعدة؛ من شخص إلى آخر.

إقرأ أيضا:كيفية التغلب على الخسارة واستعادة الثقة بالنفس؟
العدوى العاطفية توضيح انتقال المشاعر إلينا دون أن نشعر
العدوى العاطفية

 العدوى العاطفية في العصر الرقمي

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت العدوى العاطفية أكثر تعقيدًا وانتشارًا، فعبر تغريدة أو صورة او مقطع فيديو، يمكن أن تنتقل المشاعر إلى آلاف الأشخاص في لحظات، وهذا يعني أن الفرد اليوم قد يتأثر عاطفيًا، ليس فقط بمن حوله في الواقع، بل أيضًا بأشخاص لم يلتقِ بهم يومًا.
في هذا السياق تظهر تحديات جديدة، من بينها التأثر بمحتوى سلبي أو مثير للذعر مما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب وخصوصًا بين الشباب.

نصائح لحماية أنفسنا من العدوى العاطفية السلبية

إن كنت تدرك أنك متأثر عاطفيًا بمن حولك بشكل سلبي، فهناك بعض النصائح العملية التي يمكن أن تساعدك:

  • أول خطوة هي ملاحظة كيف تتغير مشاعرك، في وجود أشخاص معينين.
  • ابتعد بشكل مؤقت عن الأشخاص أو البيئات السلبية.
  • حاول أن تكون أنت مصدرًا للعدوى العاطفية الإيجابية، وامنح من حولك الدعم العاطفي.
  • تجنّب التعرّض المفرط للمحتوى السلبي، خصوصًا قبل النوم أو في الصباح الباكر.

العدوى العاطفية في العلاقات الشخصية

العلاقات الأسرية والعاطفية هي أكثر البيئات التي تظهر فيها العدوى العاطفية، بشكل واضح، فالقلق الذي يشعر به أحد الوالدين يمكن أن ينتقل للطفل، أو العكس كما أن التوتر بين الزوجين يمكن أن يتسرب بسهولة، مؤثرًا على مزاج كل طرف وحتى على صحته الجسدية.
من هنا تأتي أهمية الذكاء العاطفي في العلاقات، حيث يمكن للأشخاص الواعين التحكم في مشاعرهم وتوجيهها بطريقة إيجابية.

إقرأ أيضا:فضل العشر ذو الحجة: أيام مباركة وأجرها لا يضاهى

 العدوى العاطفية والقيادة الناجحة

القيادات الملهمة تدرك جيدًا تأثير العدوى العاطفية، وتستخدمها بحكمة لرفع معنويات فرقهم، فالقائد الإيجابي ينقل الحماس والطاقة بينما القائد المتذمر أو المتوتر يخلق بيئة خانقة، أما في عالم الأعمال يعد هذا العامل من أسرار القيادة المؤثرة.

أشهر الكتب التي تحدثت عن العدوى العاطفية

1. كتاب الذكاء العاطفي لـ دانييل جولمان (Daniel Goleman): ويعتبر هذا الكتاب حجر الأساس في فهم الكثير من الظواهر النفسية التي نعيشها يوميًا، ومنها العدوى العاطفية
حيث يتحدث جولمان عن كيف تؤثر مشاعر الآخرين علينا دون أن ننتبه، ويشرح بالتفصيل دور الخلايا العصبية المرآتية في انتقال المشاعر، ويعطي أمثلة حيّة من الحياة اليومية.
الكتاب لا يقتصر على النظرية، بل يقدم أدوات لفهم الذات وتحسين العلاقات الاجتماعية.
ينصح به: لأنه يربط بين الذكاء العاطفي والنجاح المهني والشخصي، ويوضح كيف أن التحكم في المشاعر لا يعني كبتها، بل إدارتها ببوعي.

2. كتاب العواطف المعدية لـ إلين هاتشفيلد (Elaine Hatfield): إن هذا الكتاب هو من أوائل المؤلفات التي استخدمت مصطلح العدوى العاطفية بشكل علمي.
و مؤلفته إلين هاتشفيلد وهي أستاذة في علم النفس، تقدم بحثًا دقيقًا حول كيف تنتقل المشاعر بين الناس، لا سيما في العلاقات العاطفية والعائلية والعملية.
كما أن الكتاب يعتمد على دراسات وتجارب نفسية واقعية.
وينصح به لأنه كتاب أكاديمي لكنه مكتوب بلغة مفهومة، ويغوص في عمق الظاهرة من منظور علمي ونفسي بحت.

3. كتاب العقل والعاطفة لـ ريتشارد دافيدسون (Richard J. Davidson): إن هذا الكتاب لا يتحدث فقط عن العدوى العاطفية، بل يذهب لما هو أبعد من ذلك وهو كيف يمكن للعقل أن يغيّر استجابة الجسم للمشاعر.
حيث أشار ريتشارد ديفيدسون عالم الأعصاب و شرح كيف يمكن للمشاعر الإيجابية المعدية أن تؤثر حتى على جهاز المناعة، والعكس صحيح.
ينصح بهذا الكتاب لمن يريد ربط الجانب العاطفي بالدماغ والبيولوجيا العصبية، حيث أنه كتاب يجمع بين العلم والعاطفة، بشكل مبهر.
 
4. كتاب الإنسان يبحث عن المعنى لـ فيكتور فرانكل (Viktor Frankl): رغم أن هذا الكتاب لا يركّز بشكل مباشر على العدوى العاطفية، إلا أن فكرته الأساسية تدور حول كيف يمكن للمشاعر؛ أن تنتقل بين الناس في أصعب الظروف، حيث ان فرانكل الذي نجا من معسكرات الاعتقال النازية، يروي كيف كان الحزن أو الأمل ينتقل بين السجناء كالنار في الهشيم، وكيف أثّرت مشاعر مجموعة كاملة، على مصير أفرادها.
ينصح بهذا الكتاب لأنه يظهر لنا بعمق كيف يمكن للأمل أو اليأس أن يكونا معديين، ويقدم منظورًا فلسفيًا عميقًا عن الحياة والمشاعر.

 5. كتاب العدوى العاطفية في بيئة العمل لـ دانيال سيغن (Daniel Siegel): إن هذا الكتاب يركز على العدوى العاطفية، داخل المؤسسات والفرق الإدارية ويتحدث عن كيف يمكن لمدير سلبي، أن ينقل الإحباط لفريق كامل، أو كيف يستطيع قائد ملهم أن يشحن الجميع بالطاقة والحماس.
ينصح بهذا الكتاب لمن يهتم بالقيادة، وإدارة الموارد البشرية وبناء ثقافة مؤسسية صحية، لأنه مفيد جدًا للمدراء والمعلمين وحتى الآباء.
 
في النهاية إن العدوى العاطفية ظاهرة إنسانية بامتياز، تؤكد على مدى ترابط البشر عاطفيًا ونفسيًا، كما إنها دعوة للوعي الذاتي والمسؤولية في كيفية تعبيرنا عن مشاعرنا، وكيف نتأثر بالآخرين، وبينما قد لا نكون قادرين دومًا على التحكم في مشاعرنا، فإننا بالتأكيد قادرون على فهمها ومراقبتها وتوجيهها، بشكل يجعل حياتنا وحياة من حولنا أكثر توازنًا وإشراقًا.
 

السابق
6 اختبارات من اختبار الشخصية للبنات تساعد في اكتشاف الذات و زيادة الثقة في النفس
التالي
الاتصال غير اللفظي: عندما تنطق اللغة الصامتة