تنمية بشرية

مهارات التواصل اللاعنفي: فن بناء جسور التواصل في العلاقات

مهارات التواصل اللاعنفي

في عالمنا المعقد والصخب أصبحت الحاجة إلى مهارات تواصل فعالة ضرورة ملحة، أكثر من أي وقت مضى، ومن أهم هذه المهارات مهارات التواصل اللاعنفي كونها أداة إنسانية راقية للتفاهم وبناء العلاقات الصحية سواء في الحياة الشخصية أو المهنية، فبدلًا من لغة الأوامر أو التهديد أو اللوم يفتح هذا النوع، من التواصل باباُ للفهم المتبادل والتقدير الحقيقي.

في هذا المقال نستعرض مفهوم التواصل اللاعنفي، وأهم مبادئه ومهاراته الأساسية بالإضافة إلى فوائده وتطبيقاته العملية، لنقدم دليلاً شاملاً يساعدك على تحسين علاقاتك، وحواراتك مع من حولك.

مهارات التواصل اللاعنفي
مهارات التواصل اللاعنفي فن بناء جسور التواصل في العلاقات

مفهوم مهارات التواصل اللاعنفي

التواصل اللاعنفي (Nonviolent Communication): هو أسلوب تواصل طوره الطبيب النفسي الأمريكي مارشال روزنبرغ في سبعينيات القرن الماضي، ويهدف هذا الأسلوب إلى تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الأفراد، ويركز على التعبير عن المشاعر والاحتياجات؛ بشكل صادق ومحترم دون استخدام لغة هجومية أو تصعيدية.

ببساطة هو فن التحدث دون إيذاء و الاستماع دون حكم.، حيث يعتمد التواصل اللاعنفي على مبدأ أساسي هو

“وراء كل سلوك إنساني، هناك حاجة غير مُلبّاة”

إقرأ أيضا:دليل تعلم البرمجة للمبتدئين مجاناً

وبالتالي فإن فهم هذه الحاجة والتعبير عنها بسلام يمكن أن يحول أي صراع، إلى فرصة للتقارب.

المبادئ الأربعة للتواصل اللاعنفي

لتطبيق التواصل اللاعنفي بفعالية ينصح باتباع أربع خطوات رئيسية تعرف باسم المكونات الأساسية لهذا الأسلوب وهم:

  1. الملاحظة (Observation): من حيث التركيز على ما نراه أو نسمعه دون إطلاق أحكام أو تقييمات، مثلًا: عندما لم ترد على رسالتي لمدة يومين… بدلًا من أنت لا تهتم بي.
  2. المشاعر (Feelings): ويعني تحديد المشاعر المرتبطة بتلك الملاحظة؛ مثلًا: شعرت بالقلق الانزعاج.
  3. الاحتياجات (Needs): ويعني تحديد الاحتياج أو القيمة المرتبطة بذلك الشعور، مثلًا: كنت بحاجة إلى الشعور بأنني مهم بالنسبة لك.
  4. الطلب (Request): ويعني تقديم طلب واضح وصريح يلبي تلك الحاجة دون فرض، مثلًا: هل يمكنك إعلامي إذا لم تتمكن من الرد في المستقبل؟.

مهارات التواصل اللاعنفي الأساسية

  • الوعي بالمشاعر الذاتية لان فهم ما نشعر به بدقة دون خلط بين المشاعر والتفسيرات مثل كلمة مخنوق ليست شعوراً حقيقياً بل تفسير، بينما محبط أو قلق؛ هي مشاعر فعلية.
  • الإصغاء العميق أي الاستماع دون مقاطعة أو حكم، مع محاولة فهم مشاعر واحتياجات الطرف الآخر بدلًا من التركيز فقط على الرد
  • القدرة على التعبير دون لوم بما معناه صياغة العبارات بطريقة مسؤولة، مثل أنا أشعر بـ… لأنني أحتاج إلى… بدلًا من أنت دائماً تسبب لي….
  • التفريق بين الطلب والتهديد وهنا يجب أن يكون طلبنا اختيارياً، وليس مشروطاً أو تهديداً مبطناً لأن الطلب الفعال هو الذي يعطي للطرف، الآخر مساحة للاختيار.

فوائد التواصل اللاعنفي

  1. يقوي العلاقات الشخصية حيث يؤدي التواصل اللاعنفي إلى علاقات مبنية على التعاطف، والصدق لأن كل طرف يشعر؛ بأنه مسموع ومفهوم.
  2. حل النزاعات بفعالية حيث يساعد هذا الأسلوب في تحويل الصراعات، إلى فرص للحوار البناء بدلًا من التصعيد.
  3. تحسين بيئة العمل حيث يمكن للموظفين والقادة، على حد سواء استخدامه لتحسين التفاهم وتعزيز روح الفريق، وتقليل التوتر.
  4. نمو الوعي الذاتي حيث يعزز فهم الفرد لمشاعره واحتياجاته، مما يساهم في تحسين صحته النفسية والتعامل، مع الضغوط.

تطبيقات التواصل اللاعنفي في الحياة اليومية

في الأسرة

إقرأ أيضا:أفضل 4 كتب بناء الشخصية والثقة بالنفس

يساعد الوالدين على تربية أطفالهم بأسلوب قائم على التفاهم، ويقلل من استخدام التهديد أو العقاب ويزيد من قرب الأبناء العاطفي.

في المدارس

تعتبر مهارات التواصل اللاعنفى أداة تعليمية قوية تساعد المعلمين والطلبة، على خلق بيئة تعليمية صحية قائمة على الاحترام المتبادل.

في أماكن العمل

تستخدم مهارات التواصل اللاعنفى في إدارة الفرق وحل النزاعات بين الموظفين، والتواصل بين الإدارة والعاملين.

في المجال السياسي والاجتماعي

تعتبر مهارات التواصل اللاعنفى أداة فعالة في الحوارات الوطنية، والمصالحة والعمل الحقوقي والوساطة المجتمعية.

أمثلة على التواصل اللاعنفي

المثال السلبي
أنت أناني لا تهتم بي أبداً وهذا يؤدي إلى دفاع الطرف الآخر وربما نزاع أكبر.

المثال اللاعنفي
عندما لم ترد على مكالمتي بالأمس شعرت بالحزن لأني كنت أحتاج إلى دعمك، هل يمكنك التحدث معي إذا حصل ذلك مجدداً وهذا يفتح باب الحوار والتفاهم.

مهارات التواصل اللاعنفي
مهارات التواصل اللاعنفي فن بناء جسور التواصل في العلاقات

التحديات في ممارسة التواصل اللاعنفي

رغم فوائده الكبيرة يواجه البعض صعوبة في تبني، هذا الأسلوب لأسباب متعددة منها:

إقرأ أيضا:أهمية تنمية المهارات الشخصية وانعكاسها على واقعك ومستقبلك
  • التعود على نمط تواصل هجومي أو دفاعي.
  • غياب الوعي بالمشاعر والاحتياجات الشخصية.
  • الميل لإلقاء اللوم بدلاً من تحمل المسؤولية الذاتية.

لكن بالممارسة المستمرة والتدرج، يمكن لأي شخص تعلم هذه المهارات وتحقيق تحول كبير في حياته.

أفضل كتب مهارات التواصل اللاعنفي

1. كتاب التواصل اللاعنفي لغة الحياة لـ مارشال روزنبرغ

إنه كتاب مهم في هذا المجال حيث يتناول فيه المؤلف المبادئ الأربعة للتواصل اللاعنفي، ويقدم تدريبات عملية ونماذج حوارية تساعد القارئ على تطبيق المفاهيم، في حياته اليومية، سواء في البيت أو العمل أو العلاقات الاجتماعية.

مثال من الكتاب: كل ما نقوم به هو محاولة لتلبية احتياج… وكل نقد هو تعبير مأساوي عن احتياج لم يُلب

ملاحظة: أنصح به كبداية لكل من يرغب في فهم أساسيات هذه المهارة.

2. كتاب كلمات قد تغير حياتك لـ مارشال روزنبرغ

وهي عبارة عن مجموعة من التأملات والأفكار القصيرة التي تصلح كمنهج يومي لتعزيز مهارات التواصل اللاعنفي، وهو مناسب للقراءة السريعة والرجوع إليه في أوقات التوتر أو الخلافات.

يعمل هذا الكتاب كمرآة تعكس طبيعة تفكيرنا وتوجهنا للآخرين.

3. كتاب فن الإصغاء لـ مايكل نيكولز

يعزز هذا الكتاب أهم عنصر في التواصل اللاعنفي وهو الإصغاء الفعال، حيث يقدم تمارين وأساليب لفهم المتحدث دون مقاطعة وبناء علاقة مبنية على التعاطف، وهو مناسب للمعلمين والأزواج والقادة وكل من يواجه تحديات في الاستماع.

4. كتاب الذكاء العاطفي لـ دانييل جولمان

رغم أن الكتاب لا يتحدث حصرياً عن التواصل، إلا أن الذكاء العاطفي هو قاعدة أساسية لفهم الذات والآخرين، والتصرف بتوازن في المواقف المتوترة، كما انه يعلمك كيف تدير مشاعرك؛ وتفهم مشاعر الآخرين مما يمهد الطريق لتواصل لا عنفي وهو يناسب من يبحث عن فهم أعمق للمحفزات الداخلية، لسلوك الإنسان.

5. كتاب قوة الكلمة – جوزيف مورفي

يتناول هذا الكتاب أثر الكلمات في تشكيل الواقع والعلاقات، ويوجه القارئ لاستخدام اللغة بإيجابية وبُطعد عن السلبية أو الإيذاء اللفظي، مما يساعد على تطوير لغة تعزز السلام الداخلي والخارجي، إنه اختيار ممتاز لمن يريد العمل على نبرة صوته، وطريقة تعبيره عن الأفكار.

ثالثًا: لماذا تحتاج لقراءة هذه الكتب؟لتصبح أكثر وعيًا بمشاعرك واحتياجاتك.لتفهم دوافع الآخرين دون إصدار أحكام. لتبني علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم. لتتجنب النزاعات أو تحوّلها إلى فرص للنمو.

نصائح للاستفادة من هذه الكتب

  1. اقرأ بتركيز ودوّن الملاحظات.
  2. طبّق التمارين الموجودة في نهاية كل فصل
  3. ناقش المفاهيم مع شخص قريب لتعمّق الفهم.
  4. اعطِ نفسك وقتاً للتدرب على مهارات؛ الإصغاء والتعبير.

في النهاية نجد أن مهارات التواصل اللاعنفي ليست مجرد تقنيات كلامية، بل هي فلسفة حياة تقوم على احترام الذات والآخرين وبناء علاقات مبنية على التفاهم والتعاطف.

في زمن تتزايد فيه مشاعر الغضب والعزلة وسوء الفهم، تقدم لنا هذه المهارات طريقاً جديداً للحوار الحقيقي، والاحترام المتبادل والسلام الداخلي والخارجي.

إذا كنت ترغب في تحسين علاقاتك وتطوير ذاتك فابدأ اليوم بممارسة هذه المهارات وكن الجسر ؛الذي يربط لا السور الذي يفصل.

السابق
أنواع الذكاء العاطفي 3 : دليلك الكامل لفهم المهارات العاطفية وتأثيرها في النجاح

اترك تعليقاً