تنمية بشرية

نموذج SCARF: دليلك لفهم القيادة والتأثير البشري بعمق

نموذج SCARF: دليلك لفهم القيادة والتأثير البشري بعمق

في بيئات العمل الحديثة لم يعد دور القائد مقتصرًا على إصدار الأوامر أو متابعة أداء الموظفين فحسب، بل تم اعتماد نماذج نفسية شهيرة مثل نموذج scarf الذي لاقى انتشار واسع، حيث اعتمد هذا النموذج على الفهم العميق للاحتياجات النفسية للإنسان، واعتبره ضرورة لبناء بيئة عمل محفزة وآمنة نفسيًا حيث يعتبر من النماذج النفسية الشهيرة التي لاقت رواجًا واسعًا، في مجال القيادة والتدريب والتطوير التنظيمي.
كما يركز هذا النموذج على خمسة محركات أساسية للسلوك البشري، ترتبط بشكل مباشر بطريقة استقبال الإنسان للتعاملات اليومية وتفاعلاته مع الآخرين، في هذا المقال سنتعرف على مكونات نموذج SCARF بالتفصيل، وأهمية كل مكون في بيئة العمل وكيفية توظيفه للنجاح القيادي والإداري، إضافة لأمثلة تطبيقية عملية لفهمه بعمق.

نموذج SCARF: دليلك لفهم القيادة والتأثير البشري بعمق
نموذج SCARF: دليلك لفهم القيادة والتأثير البشري بعمق

مفهوم نموذج SCARF

إذا أردنا أن نعرف نموذج SCARF هو اختصار لخمس كلمات تمثل الاحتياجات العصبية والاجتماعية الأساسية لدى البشر والتي هي:

  1. Status – المكانة
  2. Certainty – التأكد
  3. Autonomy – الاستقلالية
  4. Relatedness – الترابط
  5. Fairness – العدالة

وقد وضع ديفيد روك هذا النموذج في عام 2008 بهدف مساعدة القادة والمدربين، على فهم العوامل التي تؤثر على دماغ الإنسان أثناء التفاعل مع الآخرين، خاصة ضمن بيئات العمل والتغيير والتفاوض.

إقرأ أيضا:الثقة بالنفس عند الاطفال: خطواتك لتنشئه طفل واثق بذاته

شرح مفصل لعناصر نموذج SCARF

يتكون نموذج scarf من خمسة معطيات لفهم الدوافع البشرية،في الحياة المهنية و الشخصية لتحقيق النجاحات ومن هذه المعطيات:

1_المكانة (Status): حيث تشير المكانة إلى إحساس الفرد بموقعه النسبي مقارنة بالآخرين، في المجموعة أو الفريق، ويشعر الإنسان بالراحة حين يرى مكانته محفوظة أو مرتفعة، بينما يؤدي الشعور بانتقاص المكانة إلى توتر أو مقاومة.
مثال عملي عن المكانة
عند تقديم تغذية راجعة سلبية لموظف أمام زملائه، قد يشعر بالإهانة أو النقص ما يقلل من دافعيته. بينما لو تم تقديم نفس الملاحظات بشكل شخصي، مع الإشادة بإنجازاته أولًا، سيحافظ على تقديره لذاته، ويستقبل النقد بشكل بنّاء.

2_التأكد (Certainty)
الدماغ البشري بطبيعته يحب الوضوح ويتوتر أمام الغموض، لذا كلما زادت درجة وضوح الأهداف والخطوات المستقبلية، شعر الموظفون بالأمان النفسي.
مثال عملي عن التأكد
في بيئة العمل حين يبلغ المدير فريقه بتغييرات كبيرة، دون شرح أو خطة واضحة، ينتشر القلق بين الموظفين، بينما إذا قدّم تفاصيل واضحة وجداول زمنية وخطوات تدريجية، سيشعر الفريق بالأمان وتقل مقاومتهم للتغيير.

3_الاستقلالية (Autonomy)
يرتبط هذا العنصر بشعور الشخص بقدرته على التحكم في قراراته أو طريقة عمله، كلما شعر الفرد بأنه يمتلك حرية ومساحة للمبادرة واتخاذ القرار، زاد التزامه.
مثال عملي عن الاستقلالية
منح الموظف خيار ترتيب أولويات مهامه أو العمل وفق جدول زمني مرن، يجعله أكثر تحفزًا وإنتاجية مقارنة بالرقابة الدقيقة المستمرة.

إقرأ أيضا:ما هو معنى تنمية بشرية؟ وما هي مبادئها؟

4_الترابط (Relatedness)
يشير الترابط إلى الشعور بالأمان والثقة والانتماء ضمن المجموعة، حيث أن غياب هذا الإحساس يؤدي إلى العزلة أو التوتر الاجتماعي.
مثال عملي عن الترابط
عندما يبدأ موظف جديد بالعمل، من المفيد جدًا تعريفه بأعضاء الفريق ودعمه اجتماعيًا لبناء الثقة والشعور بالانتماء، بدلًا من تركه بمفرده دون توجيه أو ترحيب.

5_العدالة (Fairness)
يشعر الدماغ بالإجهاد حين يواجه معاملة غير عادلة أو تمييزًا، لأن العدالة عنصر أساسي لراحة الموظف نفسيًا وثقته بقيادته.
مثال عملي عن العدالة
عند توزيع المكافآت أو الترقيات، إن شعر أحد الموظفين بوجود محسوبية أو تفضيل غير عادل، حتى لو كان الأداء مبررًا، سيقل دافعه ويؤثر سلبًا على روح الفريق بالكامل.

نموذج SCARF: دليلك لفهم القيادة والتأثير البشري بعمق
نموذج SCARF: دليلك لفهم القيادة والتأثير البشري بعمق

أهمية نموذج SCARF في القيادة والعمل

  • يبني بيئة نفسية آمنة: حيث يساعد هذا النموذج القادة في التعرف على المحفزات النفسية والعصبية التي تؤثر في فرقهم، مما يجعلهم أكثر حساسية لاحتياجات الموظفين ويخلق بيئة عمل مريحة وآمنة نفسيًا.
  • يدير التغيير بفعالية: خلال فترات التغيير التنظيمي أو إعادة الهيكلة، يمكن الاستعانة بنموذج SCARF لتقليل مقاومة التغيير، من خلال توضيح الرؤية وإشراك الموظفين، ومعاملتهم بعدالة والتأكد من عدم تهديد مكانتهم أو استقلاليتهم.
  • يحسن مهارات التواصل: عند فهم هذه الدوافع الخمسة، يصبح القادة أكثر قدرة على توصيل الرسائل بأسلوب يتناسب مع حاجات الأفراد، ما يزيد من فعاليتهم وتأثيرهم الإيجابي.

تطبيقات نموذج SCARF في حياتنا اليومية

لا يقتصر استخدام نموذج SCARF على القيادة والإدارة فقط، بل يمتد إلى العلاقات الشخصية والتعاملات اليومية، فعلى سبيل المثال:

إقرأ أيضا:افضل لغة برمجة للمبتدئين: لغات البرمجة الأسهل في 2023
  1. عند النقاش مع صديق أو شريك حياة، من المفيد الانتباه إلى عنصر العدالة، والتأكد من أن النقاش لا ينتقص من مكانته أمام الآخرين.
  2. أثناء مساعدة الأبناء على الدراسة، فإن منحهم الاستقلالية في اختيار أوقات مراجعة الدروس أو ترتيب المهام قد يحسن من التزامهم.
  3. في الأعمال التطوعية أو الأنشطة الاجتماعية، يساهم تعزيز الترابط والشعور بالانتماء إلى الفريق في رفع معنويات الجميع وتحقيق الأهداف المشتركة.

نموذج SCARF والعلاقات بين الأشخاص

لا يقتصر تأثير نموذج SCARF على بيئة العمل فقط، بل يمتد إلى جميع أنواع العلاقات الإنسانية مثلاً:

  • في العلاقات العاطفية يحتاج كل طرف إلى احترام مكانته وتقديم الأمان.
  • في التعليم يحفّز الطلاب أكثر عند منحهم استقلالية وتقدير لجهودهم.
  • في تربية الأطفال العدالة والانتماء يولدان الثقة والتعاون.

خطوات تطوير القيادة وفق نموذج SCARF

الوعي بالذات: ابدأ بملاحظة ردود أفعالك وانتبه الى ما الذي يجعلك تشعر بعدم الراحة؟ هل هو تهديد مكانتك؟ أو غياب الوضوح؟ او تقييد حريتك؟ إن هذا الوعي سيساعدك على فهم الآخرين أيضًا.

تطوير مهارات الاتصال الفعّال: من خلال تدريب نفسك على التواصل الذي يحافظ على مكانة الآخرين ويشعرهم بالأمان النفسي.

التحلي بالعدالة والشفافية: حيث يجب أن تكون واضحًا في قراراتك ومعايير التقييم، واظهر حرصك على معاملة الجميع بالإنصاف.

طرق تجنب استجابات الدماغ السلبية باستخدام النموذج

الدماغ البشري يفسّر بعض المواقف الاجتماعية كتهديد، ما يؤدي إلى ردود فعل دفاعية، من خلال فهم عناصر SCARF حيث يمكن تقليل هذه التهديدات وتحفيز نظام المكافأة في الدماغ مثلاً:

  • عدم إعطاء تغذية راجعة بناءة يؤثر على مكانة الفرد ويولّد تهديدًا.
  • اتخاذ قرارات مفاجئة من دون شرح يضر باليقين.
  • فرض آراء دون مشاورة يسلب الاستقلالية.

افضل الكتب التي تناولت نموذج scarf

إن نموذج SCARF قد تم تطويره ضمن أبحاث NeuroLeadership Institute التي أسسها ديفيد روك، ولكن للاستفادة العملية عليك أن تقرأ Your Brain at Work أولًا فهو المرجع الأصلي والمعتمد.

١. كتاب Your Brain at Work للمؤلف ديفيد روك
هذا هو الكتاب الأساسي الذي طرح فيه ديفيد روك (David Rock) نموذج SCARF لأول مرة، حيث يشرح تأثير العوامل الاجتماعية الخمسة (Status, Certainty, Autonomy, Relatedness, Fairness) على الدماغ البشري في العمل والقيادة والتفاعل الاجتماعي

2. كتاب Quiet Leadership للمؤلف ديفيد روك
رغم أن الكتاب يركز على القيادة الهادئة، إلا أنه يتناول أيضا أسس نموذج SCARF وكيفية تحفيز العاملين عبر تلبية احتياجات الدماغ الاجتماعي لديهم.

3. كتاب Managing with the Brain In Mind للمؤلف ديفيد روك
يشرح بأسلوب علمي تطبيقي كيف يساعد نموذج SCARF في إدارة الآخرين والتواصل الفعّال دون تهديد دماغهم الاجتماعي.

في النهاية نجد إن نموذج SCARF يقدم إطارًا عمليًا بسيطًا وعميقًا في آن واحد لفهم الدوافع البشرية، سواء في بيئة العمل أو الحياة اليومية، في حين يعي القادة والعاملون هذه المعطيات الخمسة فإنهم لا يحققون نجاحات مهنية فحسب، بل يبنون علاقات إنسانية متوازنة قائمة على الفهم والاحترام المتبادل.
ويظل سر التأثير والقيادة الفعالة هو احترام الطبيعة النفسية للبشر والتواصل معهم وفق احتياجاتهم الفطرية، لا مجرد مهارات سطحية أو نظريات لا تمس جوهر النفس البشرية.

السابق
أهمية أخلاقيات العمل أساس لنجاح المؤسسات والشركات ورفع إنتاجية الموظفين
التالي
التنمر: أسبابه و أنواعه وٱثاره وطرق الوقاية منه