في ظل تسارع الأحداث الذي نعيشه وتداخل العلاقات الإنسانية أصبح ما يُعرَف بـ مهارات الذكاء العاطفي أحد العوامل الحاسمة في النجاح الشخصي والمهني، على حدّ سواء، فبجانب الذكاء العقلي والمعرفة التقنية يبرز الذكاء العاطفي كعنصر فاعل في التواصل بفعالية.
وإدارة المشاعر وبناء علاقات تطلُع إلى التوازن والتعايش الإيجابي، في هذا المقال سوف نستعرض مفهوم الذكاء العاطفي ومهاراته الأساسية وكيفيّة تطويرها، ودورها في الحياة اليومية والعمل مع أمثلة تطبيقية.

ما هو الذكاء العاطفي؟
يمكن تعريف الذكاء العاطفي بأنه قدرة الفرد على إدراك عواطفه وفهمها وتنظيمها، بالإضافة إلى تراعي مشاعر الآخرين والتعاطف معهم، وبحسب نموذج العناصر الخمسة التي ذكرها بعض الباحثين والتي هي: الوعي بالذات والتنظيم الذاتي والتحفيز والتعاطف والمهارات الاجتماعية.
بمعنى آخر، لا يكفي أن يكون المرء ذكياً فكرياً، بل عليه أن يكون قادراً على تفسير مشاعره ومشاعر من حوله واستخدام هذه المعرفة في المواقف الحية.
أهمية مهارات الذكاء العاطفي
تكمن أهمية مهارات الذكاء العاطفي في عدّة محاور منها:
إقرأ أيضا:تعليم البرمجة للمبتدئين مجانا من خلال 6 مصادر فقط…- الناحية الشخصية: تساعد الفرد على أن يفهم نفسه بشكل أفضل ويتعامل مع الضغوط والمشاعر السلبية بوعي، مما يعزز الرضا والارتياح النفسي.
- في العلاقات الاجتماعية: الإنسان الذي يملك مهارات ذكاء عاطفي عالية يتمتع بقدرة أفضل على التواصل، والتعاطف وإقامة علاقات صحية ومستقرة.
- في بيئة العمل: أصبحت المؤسسات تدرك بأن الذكاء العاطفي لدى الموظف يسهم في تحسين التعاون، القيادة والأداء والبيئة التنظيمية.
- في التطوير المهني: موظف أو قائد يتمتع بوعي عاطفي أفضل يكون أكثر قدرة على التعامل مع التغيير، الأزمات وإحداث التأثير الإيجابي.
مهارات الذكاء العاطفي
فيما يلي أبرز المهارات التي تُشكّل الركائز الأساسية لمفهوم مهارات الذكاء العاطفي، مع شرحٍ لكل منها:
1. الوعي بالذات: هذه المهارة تعني أن يكون الفرد واعياً بمشاعره وبكيفية تأثيرها على سلوكه، وبنقاط قوّته وضعفه.
مثال: عندما يغضب الموظف بسبب موقف غير متوقع فالوعي بالذات يجعله يتوقف ليفكر: ما شعوري الآن؟ ولماذا؟ قبل أن يصرخ أو يتصرف تلقائياً.
2. التنظيم الذاتي (إدارة الذات): وهي القدرة على إدارة المشاعر والعواطف بدلاً من أن تُديرنا؛ تشمل التحكم في الغضب والقلق والتوتر والاستجابة بمرونة.
مثال: في شجار عائلي أو مهني الشخص صاحب التنظيم الذاتي يعرف متى يصمت، ومتى يناقش بهدوء وما هي الطريقة الأنسب للتعبير عن رأيه.
3. التحفيز الذاتي: وهو التحفيز الداخلي الذي يعتبر أحد مكونات الذكاء العاطفي وهو الدفع الذاتي نحو الأهداف، بدلاً من الانتظار الكامل للتشجيع الخارجي.
مثال: الموظف الذي يبدأ مشروعه بجد رغم عدم وجود إشراف مباشر أو مكافأة فورية، لأنه يحفّزه ذاته ليحقق هدفه.
4. التعاطف: والتعاطف هنا يعني القدرة على فهم مشاعر الآخرين وتقديم استجابة مناسبة واعية، وليس مجرد الشفقة.
مثال: في فريق عمل عندما يشعر زميل بالإحباط فإن الشخص صاحب مهارة التعاطف يستمع، ويعترف الشعور ويبحث عن كيفية الدعم بدلاً من تجاهله.
5. المهارات الاجتماعية: وهي القدرة على إدارة العلاقات وبناء فرق والتواصل بفعالية، والتأثير الإيجابي على المحيط.
مثال: القائد الذي يملك مهارات اجتماعية جيدة يعرف كيف يعبر عن رأيه يستقبل اقتراحات الآخرين، ويبني بيئة عمل يشعر فيها الجميع بأنهم مسموعون.
خطوات تطوير مهارات الذكاء العاطفي
إن مهارات الذكاء العاطفي ليست حكراً على القلة بل هي قابلة للتعلّم والتحسّن، لذلك اخترنا لك بعض الاستراتيجيات التطبيقية:
- ممارسة التأمل أو اليقظة الذهنية وهي تساعد على ملاحظة الأفكار والمشاعر دون الحكم عليها، مما يعزز الوعي بالذات.
- كتابة يومية للمشاعر والتي تدوين ما شعرت به في موقف معين وكيف تفاعلت وما كان يمكن أن تفعل بشكل مختلف، إن هذه الممارسة تعمّق الوعي وتفتح نافذة لتطوير السلوك.
- التدريب على استرجاع المواقف العاطفية مثلاً عند انتهاء اليوم والتفكير في موقف أثار عاطفة قوية، تفكر كيف تعاملت معه؟ وهل التنظيم الذاتي كان كافياً؟ هذا التأمل الدّوري يرفع مستوى التحكم.
- تحسين مهارات الاستماع والتواصل لأن التعاطف لا يعني فقط الشعور بما يشعر الآخر، بل التعبير بذلك؛ لذا درّب نفسك على لغة الجسد المناسبة والأسئلة المفتوحة ورفض الأحكام السريعة.
- طلب الملاحظات مثلاً اطلب من أصدقاء أو زملاء لك ملاحظتهم حول كيفية تعاملك مع المواقف العاطفية، ومن ثم استخلص ما يمكن تطويره.
- وضع أهداف صغيرة لتحسين مثلاً في الأسبوع القادم سأقبل رأياً مخالفاً وأتعامل معه بهدوء، أو سأخصص 10 دقائق يومياً للتأمل، بذلك تبدأ الرحلة بخطوات ملموسة.
- التعلم المستمر مثل حضور دورات وقراءة كتب أو مقالات حول الذكاء العاطفي، والتدريب العملي كلها أدوات لتعميق المهارة.

أمثلة تطبيقية في الحياة اليومية والعمل
في الحياة الزوجية أو الأسرية
إقرأ أيضا:الثقة بالنفس عند الاطفال: خطواتك لتنشئه طفل واثق بذاتهعندما يشعر الزوج بأن الشريك متوتر أو حزين بدلاً من التوبيخ أو الصمت التام، يمكنه أن يقول أشعر بأنك مشغول الذهن، هل تود أن نتحدث؟. إن هذا يُظهر وعياً عاطفياً وتعاطفاً.
في بيئة العمل
عند حدوث خطأ من زميل بدلاً من لومه فوراً يمكن أن نسأل هل هناك ما دفعك إلى هذا الخطأ؟ وهل يمكن أن أساعد؟.
إن هذا الأسلوب يعكس التنظيم الذاتي والتعاطف والمهارات الاجتماعية.
في تطوير الذات
يجب أن تضع خطة مثلاً سأدير غضبي أو توتري عند الاجتماعات على الأقل مرتين هذا الشهر، مع ملاحظة النتائج والتعلم منها.
في القيادة
فالقائد الذكي عاطفياً يسمع فريقه ويلاحظ الإشارات العاطفية كأن يكون أحد الموظفين ساكتاً أكثر من المعتاد ويقوم بخطوة لتحسين التواصل.
التحديات التي تواجه عملية التطوير
مقاومة التغيير: قد يشعر البعض أن المشاعر ليست للعمل أو أن التركيز يجب أن يكون على الأداء فقط، ولكن تجاهلها يؤدي إلى نتائج أقل فاعلية.
الانفعالية الزائدة: ليس الهدف أن نكون بلا مشاعر أو بلا إنسانية، بل أن نكون واعين ومتحكمين.
قياس التقدّم: على الرغم من وجود اختبارات، إلا أن قياس مهارات الذكاء العاطفي بدقة يبقى معقداً.
البيئة غير الداعمة: إذا كانت الثقافة التنظيمية تشجّع الصراخ أو التقليل من التعبير عن المشاعر، فالتطوير سيكون أبطأ أو يتطلب تغييراً في الثقافة نفسها.
كتب عن مهارات الذكاء العاطفي
اخترنا لك قائمة بمجموعة من الكتب المميزة التي تساعد على تطوير مهارات الذكاء العاطفي مثل:
كتاب الذكاء العاطفي للمؤلف دانيال جولمان: يعدّ هذا الكتاب من الكتب الكلاسيكية في هذا المجال؛ حيث يشرح مفهوم الذكاء العاطفي وأهميته في الحياة الاجتماعية والمهنية، وكيف يمكن تنميته.
كتاب لغة الذكاء العاطفي للمؤلف جان سيغال: تم ترجمة هذا الكتاب من قبل لبنى أسمر ويقدم هذا الكتاب مهارات عملية في فهم المشاعر والتواصل العاطفي، بأسلوب يسهل الوصول إليه.
كتاب فن الذكاء العاطفي _ أتقن عواطفك لتغيير حياتك للمؤلف أدريانو ليونيل:
يعتبر هذا الكتاب دليل عملي موجّه لتطبيق الذكاء العاطفي في الحياة اليومية، مع تمارين وأمثلة لتحكّم أفضل بالعواطف.
الذكاء العاطفي للمؤلف جيل هامسون: إن هذا الكتاب يعلمك كيف نتعامل مع الضغوط والعواطف في بيئات العمل والحياة، بأسلوب مبسط وواضح.
في الختام
إنّ مهارات الذكاء العاطفي ليست رفاهية بل ضرورة في زمن يتطلب تواصلًا واعياً وعلاقاتٍ متوازنة، وقدرةً على التعامل مع الذات والآخرين بحكمة ورؤيا، كما رأينا يمكن لأي شخص أن يبدأ اليوم بتطوير وعيه الذاتي وتنظمه ويحفّز ذاته ويتعاطف مع الآخرين، ويطوّر مهاراته الاجتماعية.
وبقدر ما يُعمّق تلك المهارات ارتفع مستوى الرضا الشخصي وتحسّنت علاقاته، وارتقى في بيئته المهنية.
فلنجعل مهارات الذكاء العاطفي دليلاً يُرشدنا في رحلتنا نحو الأفضل.