في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتنامى فيه التحديات النفسية والاجتماعية، يبرز التنمر كظاهرة مقلقة تهدد الأفراد والمجتمعات على حد سواء، حيث لم يعد التنمر سلوكًا عابرًا بين الأطفال في المدارس فحسب بل أصبح نمطًا عدوانيًا يظهر في مختلف البيئات العائلية والتعليمية و الافتراضية والمهنية، في هذا المقال سوف نسلّط الضوء على مفهوم التنمر و أسبابه و أنواعه و آثاره النفسية والاجتماعية وأهم الاستراتيجيات للحد منه ومواجهته.

مفهوم التنمر
التنمر هو سلوك عدواني متكرر يمارس من قبل فرد أو مجموعة تجاه شخص آخر، بهدف الإيذاء الجسدي أو النفسي أو اللفظي أو الاجتماعي، ويتّسم بعدم توازن القوى حيث يستغل المتنمّرون نقاط ضعف الضحية، مثل اختلاف الشكل أو الخلفية الاجتماعية أو الانطوائية لإلحاق الأذى بها.
ولا يقتصر على الفعل المباشر بل يشمل أيضًا التهديد، والإقصاء و نشر الشائعات والسخرية المتعمدة سواء وجهًا لوجه، أو عبر الإنترنت.
أنواع التنمر
1_ اللفظي
يشمل استخدام الكلمات الجارحة مثل الشتائم و السخرية و التهكم و إطلاق الألقاب المهينة، أو حتى التهديد المبطن، حيث يعد هذا النوع الأكثر شيوعًا بين الأطفال والمراهقين.
٢_ الجسدي
يتضمن الاعتداء البدني مثل الدفع والضرب و تمزيق الملابس أو الإيذاء الجسدي بأي شكل، وغالبًا ما يكون ملحوظًا ويسهل اكتشافه لكنه يترك آثارًا نفسية عميقة.
٣_ الاجتماعي (العاطفي)
يهدف إلى إلحاق الضرر بعلاقات الضحية الاجتماعية، و يشمل تجاهل الشخص عمدًا أو نشر الإشاعات عنه أو منعه من الانضمام للمجموعات أو تهميشه.
٤_ الإلكتروني
ويحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني، و يمكن أن يتضمن تهديدات تشويه سمعة مشاركة صور أو معلومات خاصة دون إذن، مما يضاعف الأذى لكونه مستمرًا ولا يمكن حصره بمكان أو زمان.
٥_ في مكان العمل
يمارس ضد الموظفين من قبل زملاء العمل أو الرؤساء، ويتمثل في الإقصاء و التقليل من شأن الإنجازات، أو تحميلهم مهامًا صعبة لإضعافهم.
أسبابه
يعود سلوك التنمر إلى مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية، ومنها:
- الرغبة في السيطرة أو فرض الذات: حيث يجد بعض الأفراد في التنمر وسيلة لإثبات قوتهم أو تعويض شعور داخلي بالنقص.
- البيئة الأسرية المضطربة: لأن الذي يعيش في بيت تسوده القسوة أو العنف أو الإهمال، غالبًا ما يعكس هذا السلوك في تعاملاته مع الآخرين.
- النماذج السلبية في المجتمع : مثل وسائل الإعلام وبعض الشخصيات العامة التي تروّج للسخرية أو العنف، مما قد تُحفّز المراهقين على تقليد هذا السلوك دون وعي.
- غياب الرقابة المدرسية أو المجتمعية: إن عدم التدخل من المعلمين أو أولياء الأمور عند ملاحظة بوادر التنمر يشجع المتنمر على التمادي في سلوكه.
آثاره السلبية
للتنمر اثار تنعكس بشكل سلبي على كل من
أولًا: الضحية
- آثار نفسية: مثل انخفاض احترام الذات و القلق و الاكتئاب و الإنعزال و التفكير بالانتحار في بعض الحالات.
- آثار أكاديمية: تشمل تراجع الأداء الدراسي بسبب فقدان التركيز والخوف من الذهاب إلى المدرسة.
- آثار اجتماعية: وتتضمن فقدان الثقة في الآخرين مثل صعوبة تكوين صداقات.
ثانياً: المتنمر
قد لا يبدو الأمر واضحًا لكن الشخص المتنمر نفسه يعاني غالبًا من مشاكل داخلية، تدفعه لهذا السلوك وقد يواجه لاحقًا مشاكل قانونية أو مهنية بسبب اعتياده على العدوانية، وعدم احترام الآخرين.
ثالثًا: المجتمع
ينتج عن انتشار التنمر بيئة مشحونة بالخوف وعدم الأمان، وتضيع فيها القيم الإنسانية مثل الرحمة و التفاهم و والتعاون.
التنمر في العالم العربي
رغم أنه ظاهرة عالمية إلا أنه في المجتمعات العربية يتخذ أشكالًا قد تكون مرتبطة بثقافة العيب أو الاختلافات القبلية، أو الاجتماعية أو حتى التفرقة على أساس اللهجة أو الأصل، ومن
أبرز أشكال التنمر في المجتمعات العربية
- المتنمرون على اللهجة: مثل التهكم على من يتحدث بلهجة مغايرة للهجة السائدة.
- تنمر طبقي: مثل السخرية من ملابس أو شكل أو نمط حياة أشخاص من طبقات اقتصادية أقل.
- تنمر جندري: مثل المهاجمة أو التقليل من شأن الأشخاص بسبب هويتهم أو ميولهم الاجتماعية.
كيفية مواجهته
- يجب نشر الوعي حول خطورته يعد خطوة أولى وأساسية، كما يجب على المدارس وأولياء الأمور والمجتمعات أن تبني ثقافة الاحترام والتسامح منذ الطفولة.
- يجب تعليم مهارات الدفاع عن النفس وهنا نقصد الرد بالعنف، بل تعليم الضحية كيفية التصرف بثقة قول توقف أو اللجوء إلى شخص بالغ.
- يجب إنشاء قنوات دعم لتوفير خطوط هاتف أو منصات رقمية للإبلاغ عن حالات التنمر بسرية تامة، كما يجب أن يكون هناك أخصائيون نفسيون في المدارس لتقديم الدعم اللازم.
- يجب الحرص على التدخل المبكر لأنه كلما تم اكتشاف حالة التنمر باكراً، كانت المعالجة أكثر فعالية. يجب عدم التهاون مع أي سلوك عدواني مهما بدا بسيطًا.
- يجب على الأهل مراقبة تصرفات أطفالهم، سواء كانوا ضحايا أو متنمرين ومساعدتهم على تطوير مهارات التواصل والتعاطف.
التنمر عبر الإنترنت
في زمن الهواتف الذكية والتطبيقات خلق تنمر إلكتروني هو الأخطر، لأنه لا يترك آثارًا جسدية واضحة، ويحدث غالبًا دون شهود، لذا يجب على المراهقين والبالغين مايلي:
إقرأ أيضا:أنواع العقد النفسية للمراهقين وأسبابها وكيفية التعامل معها- ضبط إعدادات الخصوصية.
- الإبلاغ عن أي محتوى مسيء.
- عدم الرد على الرسائل المستفزة أو المؤذية.
- التحدث إلى شخص موثوق عند التعرض للتنمر الرقمي.
دور المؤسسات التعليمية
تقع على عاتق المدارس والجامعات مسؤولية كبيرة في مكافحة التنمر من خلال:
- تنظيم ورش عمل ودورات توعوية.
- مراقبة سلوك الطلاب داخل وخارج الصفوف.
- إنشاء لجان مختصة للتدخل السريع عند حدوث أي حادثة تنمر.

خطوات نزرع ثقافة اللاعنف
- غرس قيمة الاحترام منذ سن مبكرة.
- الاحتفاء بالتنوع والاختلاف كقيمة مضافة لا مصدر تهكم.
- تشجيع الحوار والتعبير عن المشاعر بدلًا من الكبت والعنف.
- تمكين الضحايا وعدم إلقاء اللوم عليهم.
أفضل الكتب التي تحدثت عنه
يوجد الكثير من الكتب التي تحدثت وعالجت موضوع التنمر مثل:
كتب للأطفال واليافعين
كتاب ملكة الفسحة لـ أليكسيس أو نيل: وهو قصة ممتعة عن طفلة تفرض سيطرتها على الملعب، حتى تأتي طفلة جديدة لا تخاف منها وتغير ديناميكية التنمر بلطفها، إن هذا الكتاب يعلم الأطفال أن العدوانية قد تكون صرخة طلبًا للانتباه .
كتاب كريسانثيموم لـ كيفن هينكس: وهو قصة طفلة تضايق بسبب اسمها الغريب، لكنها تتعلم أن تفخر بتميزها، إن هذا الكتاب مثالي لتعزيز الثقة بالنفس لدى الصغار.
كتاب كل لطف لـ جاكلين وودسون : وهي قصة قوية ومؤثرة تتحدث عن فتاة تندم على عدم لطفها مع زميلة جديدة، بعد أن تغادر المدرسة، إن هذا الكتاب يسلط الضوء على كيف يمكن لفرصة واحدة من اللطف أن تغير كل شيء .
كتب للمراهقين والبالغين
كتاب أعجوبة لـ آر.جي. بالاسيو: وهي رواية مشهورة عن طفل ذي تشوه وجهي يواجه التنمر في مدرسته، إن هذه القصة تذكرنا بأن اللطف يغير العالم وتقدم رسالة مؤثرة عن تقبل الاختلاف.
كتاب ثلاثة عشر سببًا ل جاي آشر: وهو رواية تحذيرية عن فتاة تنتحر بسبب تنمر اصدقائها، تاركة وراءها أشرطة تسجل الأسباب، إن الكتاب صادم لكنه ضروري لفهم تأثير الكلمات على الآخرين .
كتاب الفتاة الغريبة لـ راشيل سيمونز: إن كتاب غير روائي يكشف عن التنمر الخفي بين الفتيات، مثل النميمة والعزل الاجتماعي. يعطي نصائح عملية للآباء والمعلمين .
في النهاية نجد أن التنمر ليس مجرد سلوك سيئ، بل هو جرح نفسي قد يستمر أثره لسنوات طويلة، كما أن محاربة هذه الظاهرة لا تتم فقط عبر العقوبات، بل من خلال الوعي و التثقيف و دعم الضحايا والعمل على فهم دوافع المتنمرين، كما يجب علينا أن نتكاتف كأفراد ومؤسسات لنخلق بيئة آمنة و رحيمة وإنسانية، لجميع أفراد المجتمع.